النبي
سليمان يجدد بناء المسجد الأقصى:
(إن أولى الناس بإبراهيم لَلَّذِينَ
اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا
والله ولي المؤمنين) [سورة آل عمران: 68]
هكذا عبّر القرآنُ ـ وهو يناقش أهل
الكتاب ـ عن أن أحق الناس بالانتساب
إلى إبراهيم ـ عليه السلام ـ هم
المؤمنون الحقيقيون دون غيرهم. فأرسى
القرآن قاعدة الولاء والانتساب على
أساس الإيمان وصحة المعتقَد.
وقياسا على هذا فإن أولى الناس بنبي
الله سليمان ـ عليه السلام ـ هم مَن
آمن به وتابعه، والرسولُ الخاتم الذي
أثنى عليه، والأمة الخاتمة التي
تحترم سليمان، وتضعه في الموضع
اللائق به.
وسليمانُ بن داود ـ عليه السلام ـ
أحدُ مَن جددوا بناء المسجد الأقصى،
لعبادة الله الواحد الأحد، وهو نبيٌّ
مَلِكٌ ابنُ نبيٍّ مَلِكٍ، آتاه الله
مُلكا خاصا لم يُعطَ لأحد من بعده،
وقد ظهرت آيات ذلك المُلك العريض
فيما شُيّد له من الأبنية، وأقيم له
من الصروح والقصور، وقد كان أحد هذه
الصروح سببا في إيمان بلقيس ملكة
اليمن الشهيرة.
ومثلُ هذا النبي المَلِك لا يمكن أن
يبني بيوته وقصوره بهذه الصورة،
ويهملَ في بناء بيت الله تعالى، لا من
ناحية الزينة والزخرفة، ولكن من جهة
القوة والسعة وجودة خامات البناء.
لقد جدد سليمان بناء المسجد الأقصى
قبل الميلاد بنحو ألف سنة، ولا شك أنه
فعل ذلك كما ينبغي، حتى صار البيت
مقصدا للمؤمنين، وقبلة لهم.
وحين انهمك الناس في بناء المسجد
المبارك انشغل سليمان بالدعاء، وسأل
الله ـ تعالى ـ أن يكون حكمه في
القضايا وسلوكه في الأمور موافقًا
لما يرضي الله ـ تعالى ـ وسأله مُلكًا
لا يكون مِثْلُه لأحد من بعده،
فاستجاب الله لنبيه الكريم، فوهبه
السداد في الرأي والدقة في الحكم،
وأعطاه مُلكًا لم يعطه أحدًا من
بعده، كما لا نعرف أن أحدًا من قبله
قد نال مثله.
وبعد الفراغ من البناء المبارك، أراد
سليمان أن تكون للمسجد ميزة كتلك
التي لبناء إبراهيم في مكة، فسأل
الله ـ تعالى ـ ألا يأتي المسجدَ أحدٌ
لا يُخرجه إلا الصلاةُ فيه، أن
يخرجَه من خطيئته كيوم ولدتْه أمّه.
لقد نال سليمان شرف بناء المسجد
الأقصى من جديد، وكان أبوه داود
مرشَّحًا له، ففي بعض الروايات أن
داود ـ عليه السلام ـ أراد أن يبني
مسجد بيت المقدس، لكنه وجد أن جزءًا
من الأرض يقع في ملكية رجل من بني
إسرائيل، فأراد داود أن يشتريه منه
فأبَى الرجل عليه، فحدّث النبيُّ
نفسَه أن يأخذه منه، فمنعه الله ـ
تعالى ـ من بناء المسجد، ونال الشرف
ابنه سليمان ـ عليهما السلام.