قبلة
المسلمين الأولى:
احتفظ المسجد الأقصى بإجلال
الأنبياء والرسلِ ـ خاصة من بني
إسرائيل ـ فكانوا يأتونه للصلاة
والتعبد فيه، حتى أصبح قبلة لهم،
ولما بعث الله خاتم النبيين محمدًا ـ
صلى الله عليه وسلم ـ بقي على طريقة
الأنبياء قبله في وضع المسجد الأقصى
موضع الإجلال، حتى جعله الله قبلته
وقبلة المؤمنين به في الصلاة طوال
وجود المسلمين في مكة، وكان صلى الله
عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس
والكعبةُ معترضةٌ بينهما، حتى هاجر
إلى المدينة، ومرت عليه هناك سبعة
عشر شهرًا وهو على هذه الحال، فأذِنَ
الله له بأن يتحول إلى المسجد
الحرام، ويتخذه قبلةً له ولأمّته إلى
يوم القيامة.
والتصق بالمسجد الأقصى شرفُ أنه
القبلة الأولى للأنبياء، والقبلة
الأولى أيضا لخاتمهم محمد ـ صلى الله
عليه وسلم ـ وقد كان يُسعد اليهودَ في
المدينة أن يَرَوْهُ متجها إليها،
وظنوا أن ذلك مقدمةٌ لاتِّباعه
الكاملِ لدينِهم، ولم يفهموا أن هذه
القبلة المؤقتة تؤكد الارتباط بين
الرسالة الخاتمة وبين ما سبقها من
رسالات الأنبياء.
وحين حُولت القبلة عن المسجد الأقصى
اغتاظ اليهود، وقالوا عن الرسول ـ
صلى الله عليه وسلم: "لو كان نبيًا
ما ترك قبلة الأنبياء"! ولم يعد
بينهم وبين مشركي مكة فرق حينما ظنوا
أن التحول إلى الكعبة والبيت الحرام
اشتياق إلى وثنية الآباء تُوشك أن
تردّ الرسول ومن معه إلى مِلَّةِ
قريش!
إن اختيار الكعبة قبلة للصلاة عند
المسلمين لا يعني أن المسجد الأقصى
فَقَدَ رتبتَه ومكانته بين بقاع
الأرض الطاهرة، بل هو ـ حسب التصور
الإسلامي ـ واحد من أطهر بقاع الأرض
وأعظمها.