الأقصى في القرآن.. تصريح وإشارات:
ليس هناك دليل على رِفعة المسجد الأقصى وسموّ مكانته أبلغُ من أن يُذكر في القرآن الكريم في معرِض الثناء والمدح.. إنها قصة كتاب ومسجد، فالكتاب سِجِلٌّ يحوي كلمة الوحي الأخيرة الخالدة لهداية أهل الأرض، والمسجدُ جزء مباركٌ من الكوكب الذي يعيش فوقه الإنسان بخيره وشره، وصراعاته ومنافساته على السيطرة والنفوذ من أجل غَرَض أو عَرَضٍ، أو من أجل دين ومعتَقَد..
لقد احتفى القرآن بالمسجد الأقصى، واحتفل بمن شرّفه وتشرف به من الأنبياء والصالحين الذين عاشوا في كَنَفِهِ، ودَعَوْا إلى الله فيه وفيما حوله من الأمكنة والأنحاء المباركة، غيرَ أن الكتاب العزيز لم يصرح باسم المسجد المبارك إلا في موضع واحد منه، مرتبط بالحديث عن المعجزة الرائعة (الإسراء والمعراج) التي سافر فيها خاتم المرسلين محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ على جناح القدرة الإلهية، وفي زمنٍ من الليلِ يَسِيرٍ، من بيت الله الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في القدس المباركة، وأتمّها نحو عوالمَ أخرى في السموات حتى بلغ سدرة المنتهى.
يقول الله ـ تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) (سورة الإسراء: 1).
وتتوالى في كتاب الله الإشارات إلى البيت المقدَّس والبلد الذي يحويه، مما ينطق بالمكانة الخاصة للمسجد والبلد كليْهما، فيقول القرآن على لسان النبي موسى بنِ عمران ـ عليه السلام: (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدّوا على أدباركم.. ) (سورة المائدة:21)، فالأرض المقدسة هي المطهَّرة المباركة، والمراد بها مدينة بيت المقدس بما فيها وما حولها. وقد أُمر بنو إسرائيل بدخولها قبل الميلاد باثني عشر قرنا تقريبًا، لكنهم لم يستجيبوا لنبيّهم، وجَبُنُوا عن دخول بيت المقدس، فحُرِمُوا خيرَ الجهاد في سبيل الله ـ تعالى ـ حتى كان زمن داود ـ عليه السلام ـ فتحرر البيت والمسجد.
وعن سليمان يقول القرآن: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ). (سورة الأنبياء:81)، وعن سبأ يقول الله تعالى: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ). (سورة سبأ: 18).