الأقصى في
سُنّة نبيّ الإسراء:
منذ جاء أبو ذرّ من ديار قبيلته غفار
ليجاورَ النبيَّ ـ صلى الله عليه
وسلم ـ في المدينة، ويَصْحَبَه في
رحلة الحياة المؤمنة ـ وهو حريص على
تعلّم الدين من نبي الرحمة؛ لذلك كان
أبو ذر يسأل كثيرا عما لا يعلم، مما
يرى فيه نفعا وفائدة، وها هو أبو ذر
يقول: قلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ
أَوَّلَ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ
الْحَرَامُ. قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ
أَيٌّ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الأقْصَى.
قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟
قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً.." (رواه
البخاري ومسلم).
والتقط سَمْعُ أبي هريرة من الفمِ
النبوي الطاهر إحدى آيات التكريم
الإسلامي للمسجد الأقصى، فنَقَلَ
إلينا قولَ النبي ـ صلى الله عليه
وسلم: "لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا
إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ:
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ،
وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ
وَمَسْجِدِ الأَقْصَى" (صحيح
البخاري).
فالمسجد الأقصى واحد من المساجد
الثلاثة الكبرى، التي لا يجوز السفر
إلى موضع بقصد التعظيم إلا إليها، مع
أن صفة المسجد يمكن أن تنطبق على كل
رقعة من كوكب الأرض الواسع.
ليس هذا فقط، بل يطوّق الإسلامُ
جِيدَ المسجدِ الأقصى على لسان خاتم
الأنبياء برتبة أخرى من الرتب
العالية، والذي حفظ لنا ذلك أمُّ
المؤمنين أمُّ سلمة ـ رضي الله عنها ـ
فقد سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ ـ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ
يَقُولُ: مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ
أَوْ عُمْرَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ
الأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا
تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا
تَأَخَّرَ ـ أَوْ وَجَبَتْ لَهُ
الْجَنَّةُ" (سنن أبي داود).
بل يَروي أبو الدرداء قولَ النبي ـ
صلى الله عليه وسلم: "الصلاة في
المسجد الحرام بمائة ألف صلاة،
والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة
في بيت المقدس بخمسمائة صلاة" (الطبراني).
هي إذن أخوَّةٌ عَقَدَهَا الإسلام
بين مساجده الثلاثة: المسجد الحرام،
والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى.
وإذا كانت المساجد عموما هي خير
البقاع، فإن هذه الثلاثة الكبارَ من
بينها هي أعظمُها فضلا ومنزلةً كما
بينت سنة الحبيب - صلى الله عليه وسلم.