قبة
الصخرة المشرفة:
مما حفل به الحرم القدسي الشريف قبة
الصخرة التي أنشأها الخليفة الأموي
عبد الملك بن مروان سنة اثنتين
وسبعين للهجرة (ستمائة وإحدى وتسعين
للميلاد) فوق الصخرة التي كانت قبلة
الأنبياء.
والقبة ذات تصميم فريد لم يُعْرَفْ
من قبلُ في عمارة المساجد، لذا تعتبر
أقدم وأروع نموذج لفن العمارة
الإسلامية.
وستبدو مدينة القدس أمام عينيك بالغة
الروعة، حينما تراها من مكان مرتفع
زاهيةً بقبة الصخرة المُذْهَبة
اللامعة، وأشعةُ الشمس تقبّلها،
وترتد في الأفق لتزيده ضياء.
وتتزين قبة الصخرة من الداخل بزخارف
الفسيفساء التي تتألف من وحدات
وعناصر بنائية هندسية، وعلى العقود
كتابة بالفسيفساء بطول مائتين
وأربعين مترًا، تشتمل على آيات
قرآنية، وعبارات دينية. وكانت تغطي
القبة الأصلية الخشبية صفائح الرصاص
فوقها ألواح من النحاس المصقول،
لكنها سقطت سنة أربعمائة وسبعة من
الهجرة، أما القبة الحالية فترجع إلى
سنة أربعمائة وثلاث عشرة من الهجرة ـ
اثنتين وعشرين وألف من الميلاد.
ويتكون مسجد قبة الصخرة من بناء مضلع
مثمن الشكل، قوامه تثمينة خارجية من
الجدران، فيها من الداخل تثمينة أخرى
من الأعمدة والأكتاف، داخلها أيضًا
دائرة من الأعمدة والأكتاف، وفوق هذه
الدائرة الداخلية التي تحيط بالصخرة
المشرفة إحاطةَ السِّوار بالمعصم ـ
ترتفع قبة على أسطوانة فيها ست عشرة
نافذة، هذه القبة خشبية مزدوجة
الكسوة، تكسوها من الداخل طبقة من
الجفت المذهب المزخرف، وقد تم
ترميمها سنة 1994م من جديد، وكُسيتْ
بالنحاس المُذهَب بطبقة من الذهب
الخالص.
وقد بلغ التناسق والانسجام بين هندسة
البناء المعمارية وبين كسوته
الداخلية المنمقة بالفسيفساء
والزخارف والرسوم والآيات القرآنية
وطبقة الرخام الملون وغيرها من
الزخارف والخطوط العريضة ـ بلغ قمة
العبقرية والإبداع والدقة والجمال
والروعة، حتى لقد قال عنها المؤرخ
الكبير جوستاف لوبون: "إنه أعظم
بناء يستوقف النظر، إن جماله وروعته
مما لا يصل إليه خيال إنسان".
أما كبير المهندسين المصريين الذين
أشرفوا على ترميم قبة الصخرة سنة 1964م
فقد عبّر عن ذلك فقال: "إن القبة
تحتوي على دقة وروعة في الفن
الإسلامي تَفُوقُ كلَّ ما في أهرامات
الجيزة وغيرها، ولولا التعصبُ
الأعمى ضد كل ما هو عربي وإسلامي
لاعتُبرت قبة الصخرة من عجائب الدنيا
وغرائبها".
ومضلَّع المسجد حول الصخرة ثُمانيّ
الشكل، يبلغ طول جداره من الخارج
عشرين مترًا وتسعة وخمسين سنتمترا،
وارتفاعُه تسعةُ أمتار ونصف المتر،
إضافة إلى تصوينة فوق الجدار يبلغ
ارتفاعها مترين وستين سنتمترا،
وجميعُ أضلاعه الثمانية متساوية،
وفيه أربعة أبواب تفتح على الاتجاهات
الأربعة لأربعة جدران خارجية، ويبلغ
عرض كل باب مترين وخمسة وستين
سنتمترا، وارتفاع كل منها أربعة
أمتار وخمسة وثلاثون سنتمترا.
وتكمن براعة هندسة البناء من الداخل
في أن أي باب من الأبواب الأربعة
للمسجد يستطيع الناظر منه أن يرى
جميع ما فى داخل البناء من الأعمدة
والدعائم في كل أطراف المكان، كذلك
يرى القبة والصخرة والساحات
والأبواب تظهر أمامه مباشرة، ولا
يقطع بصره شيء، مما يعتبره رجال
العمارة من آيات الإعجاز في تصميم
بناء قبة الصخرة.
والملاحظ أن نظام النوافذ صمم بحيث
لا تدخل الإضاءة مباشرة إلى المسجد،
مما يعطي شعورًا خاصًا للرائي
مِلْؤُهُ الإعجابُ والانبهار
والخشوع أمام هذا الإبداع المعماري
الذي يناسب رُوحانية المكان وأريجَ
ارتباط الصخرة المباركة بتاريخ
الأنبياء - عليهم السلام.
وليس للمسجد شبيه ولا نظير من قبلُ
ولا من بعدُ، سواء في تصميم عمارته أو
زخرفته أو كسوته البديعة النادرة.