البناء الأول للمسجد الأقصى:
يشعر المؤمن بأبوّة حانية لكل موحد في شخص نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ ذلكم النبي الذي هاجر إلى ربه بعد أن قضى واجبه تجاه قومه، ودعاهم إلى الله، وأقام لهم الحجة على ضلالهم.
وبعد هجرته إلى أرض الشام وأرض الحجاز لم يكن الخليل ليتوقف عن الاستمساك بدين الله ـ تعالى ـ وإعلانه ذلك في العالمين. والْتمس أن يقيم للتوحيد صُروحا من البَشَر والأبنية، فترك ولديْه إسماعيلَ وإسحاقَ وذريتَهما الصالحة أعلاما من بعده يدعون مِثْلَه إلى الحنيفية، كما رفع بناء البيت الحرام ومعه ولدُه البكر إسماعيل..
والبيت الحرام هو أول بيت وُضع للناس مختصا بعبادة الله ـ تعالى ـ وأخبر حفيد إبراهيم المكرّم محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ بأن المسجد الأقصى شُيّد بعد مسجد مكة بأربعين سنة‏، وإذا كان إبراهيم هو أول بانٍ للمسجد الحرام ـ وهذا هو الراجح ـ فمعنى ذلك أن المسجد الأقصى بُني في عصره، وإذا شئنا الدقة فقد بُني في سنواته الأخيرة، أو بعد وفاته بقليل.
ونبحث في هذا الزمن القديم ـ قبل المسيح بقرابة ألفي عام ـ فنجد أولى الناس بإقامة هذا الصرح، وتشييد هذا البناء، هم إبراهيم نفسه وذريته القريبون، والمرشح للقيام بهذا الدور ـ بحساب مدة الأربعين سنة ـ هو النبي إسحاق بن إبراهيم أو أبوه إبراهيم أو ولده يعقوب ـ عليهم السلام ـ وهناك بالفعل روايات تفيد أن إبراهيم ـ عليه السلام ـ هو الباني الأول للمسجد الأقصى، وروايات أخرى تفيد أن الباني هو يعقوب ـ عليه السلام.
والقرآن لم يهتم بالحديث عن بناء المسجد الأقصى اهتمامه بتسجيل بناء المسجد الحرام، وما صاحب ذلك من جو روحاني، وتفانٍ من العبدين الصالحين إبراهيم وإسماعيل في تنفيذ أمر المولى الجليل ـ سبحانه ـ ذلك أن المسجد الحرام هو الأصل، وهو القبلة الخالدة لكل مؤمن، وتكريمه تكريم لكل بيت أقيم لعبادة الله ـ تعالى.